العطور من التقاليد الكلاسيكية إلى الابتكارات العصرية الحديثة

لكل بُقعة من الجغرافية في هذه الأرض حكاية خاصة واستثنائية ومختلفة، لا تُشبه أيّ حكاية أخرى، أبطالًها أناسٌ مُختلفون، قد بنوا لنا إرثاً حضارياً وروحياً وأخلاقياً وعمرانياً، رُبما قد سمعنا عنهم أو بقي من ذكرهم ظلالٌ خلفَ نوافذِ الماضي، إلا أن أثر ما بنوه باقٍ حتى الآن، بل إنه يمتدُ ويحيا يوماً بعد يوم ويزدادُ قيمةً وجمالاً، لا شّك أن لكُل مرحلةٍ من الزمن سماتها الخاصة، وتقلبات الوقت وسيرورة الزمن، وتقدم البشرية، يفرضُ أشكالاً مُعينة وجديدة لكل شيء، والزمن يعبرُ فوق الجميع، ويُغير كل شيء باستمرار تحت تأثيراتٍ طبيعية أو بشرية، وكما كُل شيء، فإن للعطور شكلٌ آخر قد اكتسبته مع مرور الزمن حول العالم، بالإضافة إلى أن الذوق البشري في اندفاع دائم نحو التغيير في كل مرحلة زمنية، والعطور في المملكة العربية السعودية مثلها مثل أي بلادٍ أخرى في العالم، لها نصيبها من مسألة التغيير الذي يطرأ على كُل مرحلة، مع وجود ظرف استثنائي دوماً، بأن المرحلة ما قبل 100 عام على الأقل، قد ارتبطت بشكلٍ كلاسيكي شرقي و بفئة مُعينة من العطور لمدةٍ طويلة، كعطور العود والعنبر والمسك بأنواعه والبخور، عطور كلاسيكية بشكلٍ صرف، اكتسبت وأكسَّبتِ الأناقة ملامحاً خاصة منها لمدة طويلة في المملكة العربية السعودية، لم تكن المناسبات هامة آنذاك، ولم يكن للعطر توقيت خاص ولم يكن للوقت عطره الخاص، بل كان العطرُ عطراً فحسب!

مع تقدم الزمن، أصبحت المملكة العربية السعودية أكثر انفتاحاً على العالم وخاصة في تسعينيات القرن الفائت، وأصبح لكل شيءٍ شكل جديد تماماً، البلاد، الثقافة، المجتمع، الأعراف، التقاليد بأكملها بدأت تتغير، الموضة أيضاً بدأت تأخذُ شكلاً جديداً، وكما نعلم بأن العطور هي أحد أهم أركان الموضة والأناقة، إذ شكلت العطور مع بداية القرن العشرين شكلاً استثنائياً من أشكال الأناقة والفخامة للجميع؛ بدأت الحضارات والثقافات تغزو بعضها بعضاً، وهذا الغزو إن صح تسميته بذلك، لم يكن مُقتصراً على الأدب والثقافة والمعلوماتية والعلوم، بل امتدَ ليشمل الموضة والأناقة أيضاً.. ويخلقَ لها شكلاً وكينونة جديدة كي تتمرد على الشكل الكلاسيكي القديم التي حافظت عليهِ لفترة زمنية طويلة، حيثُ بدأ الشباب السعودي بالتعرف على حضارات وثقافات عطرية جديدة عبر السفر إلى بلدان جديدة واكتساب ثقافة جديدة كُلياً عن العطور، وبالمقابل دخلت خبرات أجنبية وعالمية إلى المملكة العربية السعودية، وإن تضافر هذه الجهود والخبرات المشتركة قد ساهم في خلقِ هوية جديدة للعطور وابتكار أشكال جديدة غير تقليدية، وبالتالي المزج ما بين القديم والحديث، الكلاسيكي والعصري في تركيب العطور، وكسرت هذه الثورة في عالم العطور شكلاً نمطياً قد حكمَ لسنواتٍ طوال عالم العطور في المملكة العربية السعودية وانتقلت به إلى تمازجٍ ما بين النمط الشرقي والغربي من خلال إدخال مكونات عطرية جديدة ومختلفة عن السائد مثل الحمضيات والمكونات الزهرية والمائية والحلوة والفاكهية ومزجها مع العناصر الكلاسيكية، وقد لاقى ذلك رواجاً كبيراً، وإن التفاوت في الذوق الشخصي ما بين الأجيال القديمة والجديدة، قد ساهم في دعم هذه الثورة وترويجها للغاية.

بالتوازي مع ما ذكرناه سابقاً من أسباب أسهمت في تغيير هوية العطور الكلاسيكية السائدة وتنوعها، فإن هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي ساهمت في هذا التغيير الجذري من أهمها، نمو سوق العطور في المملكة العربية السعودية بشكل كبير وظهور منافسة تجارية ما بين روّاد وصُناع و بائعي العطور على تنوع أصنافها وفئاتها، وتوسع الرؤية في عالم الأناقة و ازدهار الحالة السياحية، لا سيما في موسم الحج، مما ساهم في الترويج للعطور ذات الطابع التقليدي والكلاسيكي أكثر من غيرها، وبما أن العطور قد أصبح لها القدرة على أن تعكس الهوية الشخصية لمستخدميها بشكل أكبر، فقد أصبح الكثير من عشاق العطور يميلون إلى استخدام العطور العصرية التي مزجت ما بين التراكيب الشرقية والغربية، بينما كثيرون آخرون قد بقيوا أوفياء للعطور الكلاسيكية والتقليدية تعبيراً عن إيمانهم بأن هذه الفئة من العطور كالذهب، مهما فات عليها من الزمن، ستبقى تلمع ولن يخفُت بريقها.

لم تقتصر المسألة على المزج ما بين النمطين الكلاسيكي والعصري في العطور، بل إنه امتد ليشمل انتشاراً كثيفاً لعطورٍ للجنسين، ساهمت في تعويم ظاهرةٍ جديدة في عالم العطور في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت مؤخراً في الترويج للعطور الحديثة بشكل أوسع ونشرها ما بين الناس، فالعالم أصبح قرية صغيرة، فبات من الممكن جداً أن تعلم بإطلاق أي عطرٍ جديد في نفس اليوم، وهذا أصبح عامل جذبٍ كبير لعشاق العطور في المملكة، بالإضافة إلى انتشار متاجر لمختلف العلامات التجارية في عالم العطور في المملكة العربية السعودية، تطرح باستمرار كل جديد في عالم العطور، مع توفير سلسلة وافرة من العطور الشرقية والغربية الفاخرة والتي تناسب جميع الأذواق.